الإثنين 29 نيسان 2024

كل زعماء السنّة ما عدا سعد الحريري هم شغل «تايوان»

الثلاثاء 12 آذار 2024

أجرى رئيس تحرير مجلة “العالمية” الزميل فوزي عساكر، لقاء مفتوحاً مع نقيب الصحافة اللبنانية وصاحب ورئيس تحرير جريدة “الشرق” الأستاذ عوني الكعكي… وهذا نصّها:

عندما تلتبس الأمور، نعود إلى الـمرجع لتصويب الخبر. والـمرجع في كتاب الكلمة الـمسؤولة، هو نقيب الصحافة اللبنانية الأستاذ عوني الكعكي. استضافته “العالـمية” على صفحاتها، بعد انتهاء زيارة الرئيس الأسبق للحكومة الشيخ سعد الحريري إلى لبنان، لإحياء الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد مغادرته لبنان من دون العودة إلى الحياة السياسية في الوقت الراهن. وحاوره رئيس التحرير الأستاذ فوزي عساكر. 

زيارة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان في 14 شباط ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري، لم تكن كسابقاتها، بل كانت زيارة رسمية لرئيس حكومة سابق. لِماذا اختارها الحريري لتكون زيارة رسمية؟

عنصر الوقت هو الذي يتحكم دائمًا بالأمور، وهو وحده يحدد الظروف التي يجب أن يتكلّم فيها أو أن يحافظ على عدم الكلام.

وكما نعلم أنّ الرئيس الشهيد رفيق الحريري أسّس شيئًا جديدًا في هذا البلد، لم يستطع أحد أن يحققه في تاريخ لبنان، وهو أنه علّمَ خمسة وثلاثين ألف طالب جامعي من مختلف الطوائف في مختلف دول العالـم. وهذه ظاهرة لم يكن لها سابقة في تاريخ لبنان. والإنْجاز الكبير الذي حققه الحريري بفترة خمس سنوات من الحكم ما بين العامين 1993 و1998 هو إعادة إعمار لبنان، فقتلوه مع ذلك، ونعرف مَن قتله بوضوح، وما زلنا منذ 19 سنة نُعَنْونُ في جريدة “الشرق “: “سلِّموا سليم عياش وحبيب مرعي وحسين العنيسي”. ولا شك أنّ سعد الحريري أكمَلَ طريقَ والده، وعانى ما عاناه، إلى أن حلّت ظروف سياسية رأى أنه لا يستطيع فيها متابعة الـمسيرة، حيث أنّ البلد تقوده أيدٍ إلى الهاوية. فالرئيس ميشال عون وصهره دمّرا البلد بالتآمر، يكفي فضيحة إفلاس الـمصارف التي لا يستطيع أحد في العالم القيام بهكذا عمل إلاّ نظام كنظام الرئيس عون، لأنّهم جاؤوا به للقضاء على لبنان الاقتصادي، لأن لبنان السياحي يسقط بفعل الحرب، ولبنان الطبي ما زال محافظًا، ولبنان العلم ما زال محافظًا ولبنان الـمالي الذي كان في احتياط ودائعه 200 مليار دولار، والرقم الكبير هذا في دولة صغيرة، يوازي الرقم نفسه في الـمملكة العربية السعودية التي تعتمد على اقتصاد أكبر من لبنان. فكان الـمخطط هو القضاء على اقتصاد ومالية لبنان. وكل ما تسمعونه من أنّ الـمصارف هي السبب هو غير دقيق.

وهل الرئيس عون قويّ إلى حدٍّ يستطيع فيه القضاء على قطاع اقتصادي ومالي على مساحة الوطن، بتوقيعه الوحيد من دون سواه؟ مع أننا كلّنا نعلم أنّ النظام اللبناني لا يسمح لشخص واحد بالتفرّد بالتوقيع؟

وهل يستطيع أحد أن يفعل بالكهرباء ما فعله صهره؟ 65 مليار دولار خسائر في الكهرباء وليس عندنا كهرباء.

ولماذا وافق الجميع ووقّعوا له على صرف هذا الـمبلغ؟

وقّعوا لأنه كان هو الحاكم. هل نسينا أنه لم يكن يتمّ تشكيل حكومة لسنة كاملة كي يَختار موقع صهره فيها؟

إذًا، لِماذا كان يقول في أكثر من مكان: “ما خلّونا” إذا كان القرار بيده؟

لأنه لم يكن يَملك سوى قرار الهدم، وكان يعتقد أنه يبني. وهل ننسى أنه جاء قبل هذه الـمرّة يوم سلّمه الرئيس امين الجميّل رئاسة الحكومة نكايةً بالسوريين في العام 1989؟ أين الأموال التي قبضها في تلك الأيام؟ لن نتكلّم على أموال العراق البالغة خمسين مليون دولار، إنّما لِماذا حوّلَ أموالاً إلى حساب زوجته في فرنسا؟ من أين استطاع بناء فيلاّ في الرابية؟

ما دام الكل يعرف الكل، لِماذا في لبنان لا أحد يحاسب أحدًا؟ أموال الشعب كلّه ضاعت في الـمصارف ولا أحد يحاسب أحدًا.؟

بالنظام الطائفي كل واحد يحافظ على الآخر لأنّ مصالح الأفرقاء تتقاطع معًا في مكان ما. لا تستطيع محاسبة أحد خوفًا من أن تَمسّ الطائفة.

برأيي، ليست الـمشكلة طائفية في لبنان، لأنّ الخلاف بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر هو خلاف سياسي وهما من الطائفة نفسها. ألا ترى أنّ الـمشكلة هي في الأنانية والـمصالح الشخصية بعيدًا عن الطوائف؟

مصيبة لبنان أنه بدون مسيحيين “ما بيسوا شي”، وبالـمسيحيين تكمن الـمشكلة في أنّهم لا يحبّون بعضهم. للأسف، تاريخيّاً لم يتّفقوا يومًا ومتى اتفقوا يحصل ما يريدون. مثلاً، في السبعين اتفق كميل شمعون وبيار الجميّل وريـمون اده ضدّ الشهابية، فنجحوا بانتخاب سليمان فرنْجيه رئيسًا للجمهورية. إذًا الـمشكلة هي في عدم الاتّفاق. أنا ناشدتُ البطريرك الراعي وقلت له: “الـمشكلة عند ولادك يا سيّدنا وليست بالنظام اللبناني”. والـمشكلة ليست عند اللبنانيين بل عند الـموارنة بالذات. الـموارنة لا يحبّون بعضهم. والدليل أنّ ميشال عون لم ينجح في الرئاسة لو لم يتفق مع سمير جعجع. حزب الله لم يستطع أن يأتي بِميشال عون رئيسًا إلاّ بعد اتفاق عون مع جعجع.

ونحن نعلم أيضًا أنّ الاتّفاق بين الثنائي الشيعي لم يكن وليد توافق داخلي، بل بإيعاز خارجي، خصوصاً أمام الحروب التي نشبت بينهما. مَن يستطيع أن يَجمع الـموارنة اليوم على غرار ما حصل مع الشيعة؟

الـمسيحيون يجب أن يحبوا بعضهم.

ولكن نقيب، الشيعة لم يحبوا بعضهم من تلقاء أنفسهم، إنّما جاء مَن يجمعهم.

الظروف تلعب دورًا في ذلك.

اليوم لِمن ترجّح أن تكون الظروف مؤاتية ليلعب دور جمع الـموارنة؟

هم ليسوا بحاجة إلى أحد، إنّما عليهم أن يثبتوا أنّهم يحبون لبنان. يجب تصفية القلوب بين الـموارنة للوصول إلى الحل.

هل تعتقد أنّ زيارة الحريري إلى لبنان بِهذا الشكل، والاستقبال الشعبي الكبير، رسالة إلى السعودية أنه ما زال يُمثّل السنة، وانه لم يستطع أحد أن يَملأ الفراغ الذي تركه، ومستعدّ ليعود إلى الحياة السياسية مع أحسن العلاقات مع السعودية؟

نستطيع أن نفسّرها كذلك. ولكن برأيي أنه لم يفعل ذلك ليوجّه رسالة للسعودية. إنّما لاحظَ ضعفًا وخللاً في الطائفة السنية، وبرز ذلك أثناء الانتخابات النيابية، حيث أنّ أحدًا دفعت له إحدى الدول عشرين مليون دولار ولم يستطع أن يوصل نائبًا واحدًا. وهناك تاجر أسلحة كان مسجونًا، دفع عشرين مليون دولار لإنْجاح نائب ثانٍ معه فلم يستطع. إذًا كل زعماء السنّة ما عدا سعد الحريري هم شغل تايوان، وسعد الحريري هو الزعيم الحقيقي الوحيد للسنّة.

إذا كان حسب قولك أنّ سعد الحريري هو الـممثل الوحيد الحقيقي للسنّة، لِماذا حتى اليوم لم يَحن الوقت ليعود إلى الحياة السياسية اللبنانية؟ هل هو قرار خارجي أم داخلي؟

أنا أعتقد انه ينتظر الانتخابات النيابية القادمة.

ننتظر الانتخابات النيابية بعد سنتين ونَحن بدون رئيس جمهورية؟ هل يَحتمل البلد كل هذا الوقت؟

لو كان سعد الحريري أو كتلته في الدولة اليوم، لكنّا حمّلناه الـمسؤولية في عدم انتخاب رئيس، ولكنه وتياره خارج الحياة السياسية.

نَحن لا نُحمّل الحريري مسؤولية عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن نسأل بالـمطلق: هل يستطيع لبنان أن يعيش بدون رئيس لفترة أطول؟

هذا السؤال يجب توجيهه للزعماء في لبنان، وعلى رأسهم البطريرك الراعي. نسأله: لِماذا لا يَجمع الـموارنة كما كان يفعل البطريرك صفير، ويَمنعهم من مغادرة الصرح البطريركي قبل الاتّفاق.

واللجنة الخماسية، هل ستصل إلى نتيجة في الدور الذي تلعبه؟

لا أحد يستطيع أن ينجح ويصل إلى نتيجة. مشكلة لبنان تستدعي اتفاقًا أميركيّاً – إيرانيّاً فقط.

يعني أنهم ينتظرون كلمة السر لتأتي من الخارج؟

هذا صحيح. ولكن مَن يَمنع اتفاق اللبنانيين في الداخل؟ إنها مسؤولية اللبنانيين أوّلاً وأخيرًا. هل يجب أن تتدخّل أميركا لنتّفق؟ ألا نستطيع أن نتفق من تلقاء أنفسنا؟

لنفترض أن الـموارنة اتّفقوا معًا وجاؤوا إلى مجلس النواب بِمرشّح واحد مضمون نَجاحه، ألا تعتقد كما تعوّدنا أن ينسحب من الجلسة الثانية النواب الشيعة لتعطيل الجلسة؟

رئيس الجمهورية الـماروني يبدأ رحلته باتفاق ماروني – ماروني. وطبعًا من الأفضل أن يكون لبنانيّاً بالاتفاق مع الجميع.

بدون تدخّل خارجي؟

لبنان ليس بلدًا معزولاً، ولسنا في جمهورية افلاطون. نحن في منطقة تعجّ بالـمشاكل والحروب والخيارات الـمختلفة. نحن ضمن هذه الـمنطقة ولسنا في سويسرا.

بحسب الـموازنة الكارثية، هل نَحن ذاهبون إلى انهيار أكبر من الذي نعيشه اليوم؟

حتى اليوم، لم أشعر للأسف الشديد أن هناك معالجة جديّة حقيقية للأزمة الاتصادية في هذا البلد.

مع وجود خبراء كبار ونواب ضليعين بدراسة الـموازنات، وهم يعترضون من الخارج ولا يحرّكون ساكنًا من الداخل. ما الذي يَجعلهم يجدون الحلول من الخارج ويفشلون في تطبيقها من الداخل؟

الموضوع الاقتصادي يبدأ بالسياسة وينتهي بالسياسة. عندما يحصل اتفاق سياسي بين اللبنانيين نَجد الحلول.

هذا يعني اننا ننحدر إلى الهاوية اكثر فأكثر؟

طالـما اننا لسنا متّفقين، فنتيجة عدم الاتفاق هي الدّمار.

ماذا تقول للرئيس الحريري بعد مغادرته لبنان؟ هل كما قال له الرئيس بري: “ضلّ طلّ عا لبنان”، أو عُدْ نهائيّاً نحن بانتظارك إلى حل نهائي؟

بكل صدق ومحبة، سعد الحريري، عندما يعرف متى عليه العودة، لن يتقاعس مهما كلف الثمن.