الخميس 16 أيار 2024

إنتبهوا فالعالم مرعبٌ

الأربعاء 03 كانون الثاني 2024

العالم اليوم "عاجز عن الكلام" لا يستطيع التعبير عمّا يحصل في فلسطين من دمارٍ وقتلٍ وذبحٍ وإبادةٍ جماعيةٍ... لا أحد يستطيع إنقاذ الشعب الفلسطيني، بل التعبير قد يكون في الكلمات ولرّبما الكلمة هي أصعبُ من الفِعلِ وخوفًا من الإغتيال فعلى كلَّ كاتبٍ أو ناشرٍ أن ينتبه لكلّ كلمة قد يكتبها عن هذا الموضوع فالمحاسبة حاضرة، أكتُبُ هذه المقالة اليوم ليس دفاعًا مني عن العدو بل تعبيرًا لما حصل مع الكثير من الكتّاب في الزمن القديم وحتى اليوم، كلّما عادت الحرب إلى الواجهة إن عبّر الكتّاب أو الناشرون عبر حساباتهم لعلّ محاسبتهم قد تكون عظيمة، وهدفًا من مساعدة البعض لكي لا يزداد عدد الشهداء، أو تطيل هذه الأيام أكثر من ذلك! 

كما قال توفيق يوسف عوّاد عندما ناقشَ مسألة "اللفظ والمعنى": "ويلٌ لصاحب قلم تتحوّل الكلمة بين يديه إلى حطبة" أقول ذلك اليوم لكم أيّها الكتّاب وأيّها المعبرون عن وجعكم الذي لا مسكّن له إلّا السلام الذي من الصعب أن يتحقّق!

أشاهدُ هذه الأيام وعلى الكثير من وسائل التواصل الإجتماعي بأنَّ من يدعم القضية الفلسطينية أو حتى يوّجه كلامًا قاسيًا للعدو، يُقفَل حسابَهُ وتُمحى منه صورَهُ ويمتنع عن إعادتِهِ، لذلك أُرشِدُكُم بألاّ تذكرون إسمَ العدو، ألاّ توّجهون الشتائم أو تكتبون رسائلاً تعرّض حياتكم وحياة عائلتكم للخطر، أو حتى تنشرون فيديوهات تظهرون فيها وجوهكم وأنتم تقولون عباراتٍ قذرة، فوسائل التواصل الإجتماعي أقوى منكم والعدو متطوّر، الفيديوهات كلّها بين يديه، الصور كلّها تجتمع حولَ عينيه، إنتبهوا! فلا نريد المزيد من الشهداء، ولا المزيد من القتلى، ولا المزيد من الروايات السيئة، فكفانا ألمًا وحزنًا على ورودٍ ذبلت في الأمسِ، عندما قررّت الدفاع عن حديقتها فقتلوها وكأنهم يقولون لها "قررتي الدفاع، فمباركٌ عليك الشهادة".

لا نريد أن نخسر المزيد من الناس من أي دولةٍ كانوا، فأنا لا أقول لكم لا تنشروا بل كونوا مستيقظين على منشوراتكم، وليكن أسلوبكم جيّد، يعبّر عن حيادٍ، و لا يتخطى الحدود، ففي ذلك تُقتلون، ويُقفل حسابكم وتخسرون مع كلمتكم الكثير والكثير والكثير... فالكلمة كالمصير إمّا أن تكون كالطفل أو إمّا كالنار: كالطفل البريء أو كالنار المشتعلة التي تُشعِل العدو و تشوّقه لإقتراف أعظم الجرائم. لذلك "إنتبهوا"، دافعوا عن أرضِ فلسطين بكلَّ توازن... أكتبوا وعبرّوا بكلَّ وعيًّ وليكن أسلوبكم كمعناكم حقيقي وأن أدري أنّكم لا تنطقون إلاّ باسم الحق والحرّية والحقيقة! وليكن أسلوبكم كمعناكم فالعالمُ اليوم خالٍ من الأمان... وليكن أسلوبكم كمعناكم فإن بالغتم مبالغةً شاسعة ستلاحقكم التهديدات والكلمات السيئة وحملات التنمرّ فالعدو منتشرٌ في كلَّ مكان... فليكن أسلوبكم كمعناكم فنحن ندري أنّكم بائسون من هذه الحرب التي لا تتعب من توجيه ضرباتها لكنَّ ما يحدث اليوم حولَنا يدفعنا لأخذِ الحيطة والحذر... 

وليكن الصحافيون هم أعظم دليل لما أقوله اليوم... الصحافة "رسالة الحرّية والحقيقة" لكنَّ اليوم الحرية والحقيقة كلاهما مفقود... ذهب الكثير منهم ليغطيَّ الصورة كما هي، بالغَ في دفاعهِ عن أرضِ الحرّية الفلسطينية وفي الأخير رأينا صورَهُ على وسائل التواصل الإجتماعي منتشرة، مرفقة بتغريداتٍ عدّة "الله يرحم الشهيد"، "شهيد الحقيقة والحرّية"، "شهيد الصحافة والقوّة"... نعم! قُتِلَت الحقيقة وقُتِلت الحرّية بسبب الأسلوب والكلام الذي أشعَلَ القلوب ولَمُ يبقَ من الصحافيين سوى شظايا ضائعة في كلَّ مكان، بعدَ أن قصفهم العدو بكلَّ قساوةٍ، غطّى الدماء وجوههم وسكنوا القبر في زهرة شبابهم! في غزّة أكثر من ١٠٠ صحافيًا وصحافية إستشهدوا منذ بدء الحرب، دافعوا عن أرضِهِم، اقتربوا من المواقع الخطرة التي فيها ينشر العدو شرّه، فكانوا أحد الشهداء الذين ارتقوا، وأفقدوا فلسطين أملها الذي يوم بعد يوم يُقتَل ويضعف وتوّجه له الصفعات الشديدة! في لبنان، كذلك الأمر، فمنذُ شهرٍ تقريبًا خسرنا فرح عمر وربيع معماري شهيدين اثنين للصحافة اللبنانية اللذان كانا يغطيّان الصورة وينقلون الحقيقة ويدافعون عن فلسطين بكلَّ شراسة فلم يُرِد ذلك العدو، واشتعلت نيران الغضب في أعماقِهِ فكان من السهل عليه تفجيرهم وقتلهم، وبعد فرح وربيع كثيرون وكثيرون، سطرّت معهم الصحافة اللبنانية أعظم أنواع البطولة ولا تزال العدسة تقاوم الشاشة... 

في الخلاصة، إنّها حقًا أوقاتٌ صعبةٌ تمرّ على الشعوب، هذه المشاهد التي تطفر القلوب في غزة حيثُ يقتل الأطفال ويدفنون جثة ما فوقها جثة حقًا مشهد مبكي، يؤدي إلى الغضب والصراخ من الألم، وأعرف أنَّ الحياةَ هناك أصبحت قبرٌ وظلامٌ، لكن إن أردنا التعبير فلنعّبر بكلَّ وعيً فسبق وقلنا بأن حساباتنا وناسنا ونحن معرضون للكثير من المحاسبات ولعلّ الجرائم قد تكون سهلة في عالمٍ خالٍ من السلام والأمان والدفء والحنان! إنتبهوا أيّها المواطنون، أصبروا وصلّوا ولعلّ الفرج قد يكون قريبًا، واعرفوا دائمًا أنَّ حريّتكم ليست مدفونة... بل احذروا الخطر لأنفسكم... فلا نريد المزيد من الشهداء ولا المزيد من التهديدات... وإلى أن تُمطِرُ أرضَنا بالفرج العظيم إبقوا بخيرٍ، عبرّوا وشاركوا وانقلوا الحقيقة لكن لا تبالغوا...